إن صوت التأوه الجماعي الذي ربما يكون قد ترامى إلى سمعك الأسبوع الماضي قادما من (نيو همبشاير) ، في ولاية (إيوا) أو من بقاع أخرى غيرها، كان صادرا عن المجال الرئاسي الديمقراطي، الذي كان يهنئ الرئيس جورج دبليو بوش بمناسبة القبض على كبش الفداء الأميركي المفضل (صدام حسين)·
وهذا الصوت لم يكن يعني أبدا أن الديمقراطيين لم يكونوا راغبين في إلقاء القبض على الرئيس العراقي المخلوع، وإنما كل ما هنالك هو أنهم كانوا يفضلون أن يتم القبض عليه في شهر ديسمبر 2004، أي عقب انتهاء انتخابات الرئاسة الأميركية·
في البيت الأبيض، كانت الصورة مختلفة بالتأكيد، حيث إن المؤكد هو أن العاملين فيه قد شربوا الأنخاب كهدية مبكرة بمناسبة أعياد الميلاد للرئيس جورج بوش· فمن الصعب على المرء أن يتخيل إمكانية وجود هدية أفضل للقائد العام للقوات المسلحة الأميركية الذي كان في حاجة إلى دفعة معنوية، من القبض على صدام حسين، أو من الصورة التي بدا عليها·
عقب عرض تلك الصورة مباشرة ارتفعت شعبية بوش في صناديق قياس الرأي إلى مستويات عالية في مختلف الولايات· وكان ذلك شيئا طبيعيا في الحقيقة، لأن القبض على صدام حسين، كان يجب أن يتم الاحتفاء به كما يتم الاحتفاء بسقوط أي طاغية دموي أي بالتصفيق والهتاف المدوي· علاوة على ذلك فإن واجب الإنصاف كان يقتضي أيضا، أن يشاهد العراقيون الرجل الذي أذل أعناقهم، وقد سقط أخيرا في قبضة العدالة·
على رغم ذلك ، يجب قراءة قصة القبض على صدام من منظور سياسي مثلها في ذلك مثل أي شيء آخر في هذه النقطة من الزمن من شهر ديسمبر 2003 · طالما أن الديكتاتور لم يكن ليعود أبدا إلى السلطة، وأن العسكريين الأميركيين ذاتهم يقولون إنهم لا يعتقدون أنه كان يقود عمليات حرب العصابات ضد قواتهم في العراق، فإن السؤال المهم في واشنطن الآن يصبح هو : ماذا يعني القبض على صدام حسين بالنسبة لانتخابات الرئاسة العام القادم ؟
في الحقيقة أن ذلك يعني أقل كثيرا مما قد يبدو للوهلة الأولى· في المدى القصير، ليس هناك شك في أن ذلك الاعتقال يمثل نقطة جيدة جدا تصب في مصلحة الرئيس بوش، حيث سينظر الكثيرون إلى الحدث على أنه بمثابة دليل على صحة سياسات الرئيس في العراق·
بيد أن ذلك ليس دقيقا تماما في الحقيقة· فعلى المدى الطويل، سيصعب التنبؤ بما إذا كان اعتقال صدام حسين سيكون له معنى سياسي أكبر من الصور المعبرة التي عرضت، أو أكثر من التغطية الخبرية التي لا تتوقف على مدار 24 ساعة لبعض شبكات التلفزة · فالعراق لا يزال مكانا عصيا على السيطرة الآن مثلما كان عليه الحال قبل القبض على صدام، كما أنه لن يتسنى لنا أن نعرف- إلا بعد انقضاء عدة شهور من الآن- ما إذا كان ذلك الاعتقال قد أدى إلى زيادة الهجمات على القوات الأميركية ، أو قلل منها ، أو أبقاها على حالها·
ليس هذا فحسب، بل إنه قد يتبين أن القبض على صدام حسين قد زاد من حدة الصداع الذي تعاني منه الإدارة بسبب المشكلة العراقية· لمعرفة ذلك يجب علينا أن نعرف أولا أنه كان هناك هدفان يتعين أن يحققهما العسكريون الأميركيون في العراق على أفضل وجه هما: إزالة النظام الفاسد، والقبض على زعيمه·
والآن بعد أن تحقق هذان الهدفان، فإن وسائل الإعلام سوف تبدأ في التركيز على الجزء الأكثر صعوبة في الموضوع، وهو مساعدة العراقيين على بناء دولة مستقرة ،والقيام إن أمكن بتنصيب حكومة ديمقراطية، في دولة مليئة بالمجموعات العرقية والطوائف المذهبية التي تكره كل واحدة منها الأخرى، وفي حالات كثيرة تكره الولايات المتحدة الأميركية · فإذا لم يتحسن الموقف، أو إذا ما تدهور خلال العام القادم، فإن العراق يمكن في هذه الحالة أن يتحول إلى عبء على الرئيس، وخصوصا إذا ما زاد مستوى تهديد الهجمات الإرهابية، واستمر في التفاقم مذكرا كل شخص في أميركا بالأخطار التي بقيت على رغم القبض على صدام·
وإذا ما أدى القبض على صدام، إلى هبوط معدل الهجمات على القوات الأميركية في العراق، فإن ذلك سيكون بمثابة ضربة لـ(هوارد دين) الذي يقيم حملته الانتخابية على أساس معارضة الحرب في العراق· ومعنى ذلك أن أي تطور يؤدي إلى جعل الحملة الأميركية على العراق مبررة، سيكون له مردود سلبي على موقف (دين) في صناديق استطلاع الرأي، كما سيدعم في الوقت نفسه موقف المرشحين الديمقراطيين الآخرين المنافسين له، حيث يمكن في هذه الحالة للمرشحين الآخرين مثل (ديك جيبهارت) و(جون كيري) و(جو ليبرمان) القول إن موقفهم الداعم للحرب ضد العراق كان صحيحا·
في الأسبوع الماضي أدلى دين بتصريح قال فيه إنه حتى مع القبض على صدام حسين ، فإن آراءه بشأن الحرب في العراق لم تتغير البتة، لأن القبض على صدام لم يجعل أميركا أكثر أمانا· عقب هذا التصريح تعرض دين إلى انتقادات فورية من منافسيه الديمقراطيين الذين قالوا إن هذا التصريح يدل على سذاجة (دين) السياسية·
الحقيقة في رأيي هي أن ذلك التصريح، قد يدل على الحصافة والذكاء السياسي·· وليس السذاجة· والسبب هو أنه إذا ما